“خطبة الملك” حكاية أنسانية في إطار ملكي

الفيلم الفائز بأوسكار أفضل فيلم لعام 2011

في النصف الأول من القرن الماضي كانت بريطانيا من حيث المكانة السياسية والدولية بموقع فيه الكثير من الإختلاف عمّا هي عليه الآن , فقد كانت الأمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وكان ربع سكان العالم تقريبا يقعون تحت حكمها , وهي الفترة التي تدور فيها أحداث فيلم (The King’s Speech) أو (خطبة الملك) المبني على أحداث حقيقية لمعضلة شخصية مرّ بها الملك جورج السادس حاكم بريطانيا حينها ووالد الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا في الوقت الحالي , والملك جورج كان يعاني من تعثر في النطق مما نتج عنه إصابته برهاب التحدث العلني وسبب له وللعائلة المالكة الكثير من الإحراج , الفيلم من بطولة كولين فيرث وجيفري رش وهيلينا بونهام كارتر والثلاثة كانوا مرشحين لجائزة الأوسكار عن أفضل أداء تمثيلي لهذا العام , وفاز كولين فيرث بأوسكار أفضل ممثل عن دوره في الفيلم كما فاز الفيلم بأوسكار أفضل فيلم وفاز مخرجه توم هوبر بجائزة أفضل إخراج .

ملك بالصدفة

يبدأ الفيلم بوصف ظروف وصول الملك جورج السادس إلى كرسي الحكم في بريطانيا وذلك بعد أن تنازل أخيه الأكبر له عن الحكم بسبب وقوعه بحب أمرأة مطلقة لا تسمح له قوانين الملكية البريطانية بالزواج منها , مما وضع الملك جورج السادس في مأزق لا يحسد عليه حيث أنه لم يكن مستعدا لذلك وكان يعاني تعثّر في الكلام وخصوصا عند الحديث علنا يحرجه بصورة دائمة , ويشاء سوء حظه أن تكون مرحلة حكمه هي مرحلة تغيّر كبيرة في طريقة تواصل الملك والحكّام عموما مع شعوبها فبعد ظهور الراديو أصبح مطلوبا من الملك أن يخاطب شعبه من خلاله وخصوصا في الأوقات الحرجة والصعبة وهو ما كانت تمر بها البلاد وهي على أعتاب الحرب العالمية الثانية , فكون الملك متحدثا ماهرا ومعبّرا أصبحت واحدة من أهم الصفات المطلوبة فيه , مما يجعل الملك جورج وزوجته يسعيان للبحث عمن يستطيع علاج ذلك الرهاب , ويجدان بغيتهما في دكتور غريب الأطوار يعمل في مكتب متواضع وبأساليب غير تقليدية إستطاع من خلالها تخليص الملك من عقدته .

درس إنساني

الممتع في هذا الفيلم هي لحظات الكوميديا التي تتخلل حبكته بأسلوب جامد ولكن ذكي وهي العلامة التي تميز حس الفكاهة الإنجليزي , والفيلم ليس تأريخا لما مر به الملك بقدر ما هو درس إنساني في التصميم والرغبة على تخطي العقبات الشخصية , والتي وفي حالة الملك جورج السادس كان أساسها عائليا , وأحد المشاهد المثيرة في الفيلم التي تكشف لنا عن ذلك هي لحظة موت الملك الأب وتنصيب أبنه ملكا على الإمبراطورية حيث كانت ردة الفعل من العائلة فيها نوع من الجمود العاطفي وخصوصا من الملكة الأم والذي قد يلمّح لسبب وأساس المشاكل العاطفية الموجودة في كلا من الوريثين , الأول التي تخلى عن الحكم بسبب حبه لأمرأة أمريكية والآخر الذي تولاه غير راغبا ولا مستعدا .

آداءات إستثنائية

ثلاثة مواهب تمثيلية إستثنائية تتولى الأدوار الرئيسية في الفيلم والثلاثة مرشحين للأوسكار عن إستحقاق يتصدرهم كولين فيرث المرشح الأقوى لنيل اوسكار أفضل ممثل وهو يتميز بقدرته على التعبير بصورة رائعة عن حالة إنسانية تجد إشكالا في التعبير عن نفسها أساسا , وتمكّنه من إبراز حالة التعثر اللفظي عند الملك بطريقة مقنعة .

هيلينا بونهام كارتر تلعب دور زوجته المحبّة والتي تسعى معه جاهدة لإيجاد حل لمشكلته ولكن يميزها قبولها فيه وحبها له بجميع حالاته , أما الممثل الأسترالي جيفري رش فيلعب دور الدكتور الذي ينجح بحصافتة وبطريقة تفكيره اللاتقليدي بإستخراج الغضب والقضايا العالقة في شخصية الملك والتي تسببت له بمشكلة النطق ويثبت له ما لم يكن يريد الإقتناع وهو أن مشكلته أساسها ليست بلسانه ولكنها تنبع من شخصيته وخلفيته والتراكمات النفسية الموجودة بداخل وجدانه .

صراع شخصي

(The King’s Speech) فيلم صراع شخصي مع الذات يمر به الملك وينتصر عليه وهو يبدأ بمشهد أفتتاحي رائع يلخص المعضلة التي يمر بها الملك الذي لم يكن قد نصّب حينها وكان الحاكم هو شقيقه حين يتعثر في إلقاء خطبة بمناسبة رياضية كبيرة تجمع دول الكومونولث وتبث من خلال الراديو إلى جميع محطاتها الإذاعية , ومثلما يبدأ الفيلم بخطبة ترينا المشكلة ينتهي بخطبة أخرى تكون هي الشاهد لتخطيه تلك العقبة الشخصية التي وقفت بطريقه طويلا , وجمال الفيلم يكمن في مرحلة الصراع التي مرّت بالمنتصف والتى كان فيها العدو هو عقدة نفسية تجسّدت بعجز نطقي وتعثر في اللغة وجد الملك في نفسه بمساعدة المدرّب اللغوي والزوجة المحبة القدرة على تخطيها .