الأزمة الإقتصادية كانت تسونامي ضخم غير مرئي في عالم البنوك والإستثمار
الفيلم الفائز بجائزة الأوسكاركأفضل فيلم وثائقي لهذا العام , ” Inside Job” أو “عملية من الداخل” يتناول بعمق مسببات الأزمة المالية العالمية التي كلّفت الملايين عالميا بخسارة لأموالهم أو وظائفهم أو منازلهم وممتلكاتهم أو حتى كل ما سبق معا , وكبّدت الإقتصاد العالمي خسائرا لا زال يعاني منها فهو كما يصفه أحد الإقتصاديين الذين يستضيفهم الفيلم : “يشبه في تأثيره تسونامي ضخم غير مرئي في عالم البنوك والإستثمار” , ولكن وأن كانت حدوثه غير مرئيا للعين فأن نتائجه بالتأكيد أكثر من ظاهرة وتأثر بها الملايين من الناس حول العالم , الفيلم من إخراج تشارلز فيرغسون وقام بالتعليق فيه النجم مات ديمون .
المثال العالمي
يبدأ الفيلم بإستعراض لأحد أكثر الدول تضررا من الأزمة كمثال على عالمية الأزمة وتعدد أبعادها وهي دولة آيسلندا ذات الطبيعة الخلاّبة والشعب الصغير المتحضر والذي يتعدى عدد سكانة الثلاثمئة ألف بقليل , دخل هذا البلد السنوي يبلغ ثلاثة عشر مليار دولار ولكن وبأثير من الثقافة الإقتصادية التي سادت العالم في السنين الأخيرة تم إعادة صياغة قوانين البنوك فيه لتسهيل الإقتراض ودخول الشركات المتعددة الجنسيات في منظومة إقتصاده وإنتهى الأمر بإقتصاد الدولة بعد الأزمة شبه مدمّر ومديون بأكثر من مئة مليار دولار أى ما يقارب عشرة أضعاف الدخل السنوي لآيسلندا .
أساس المشكلة
ولكن إيسلندا لم تكن إلا مثالا على ترابط الإقتصاد العالمي وتشابكه الكبيرة , والأزمة الحقيقة كان مركزها الولايات المتحدة وهي لم تحدث فجأة ولكنها بدأت منذ ثلاثين عاما في بداية فترة حكم الرئيس السابق ريغان الذي بدأت في عهده إعادة صياغة قوانين الإستثمار وتقليل الرقابة عليها والسماح للبنوك والمؤسسات الإستثمارية بإتخاذ إجراءات وقرارات إستثمارية تسمح لها بالمخاطرة برأس المال هذة السياسة إستمرت في العقود اللاحقة التي زادت فيها قوة المؤسسات الإستثمارية الأقتصادية والسياسية حتى وصلت لدرجة كبيرة من التحكم في صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة .
المشتقات المالية
ما نتج عن ذلك التساهل القانوني والتشريعي الواضح هو التسيب في إختراع منتجات مادية جديدة مختلفة ومشبوهة تدعى بالمشتقات المالية وهي مفهوم يصعب تفسيره بطريقة واضحة على أعتى العقول الإقتصادية , ولكنه حسب وصف بعض الإقتصاديين أقرب ما تكون للمقامرة القانونية الغير مراقبة ولا حتى المفهومة من أجهزة الرقابة في الدولة ورغم محاولات سابقة لتقنينها وقولبتها في إطار قوانين إلا أن القوى السياسية للمؤسسات الإقتصادية غالبا ما تقف وبقوة في وجه ذلك وتدافع عن هذة المنتجات وأهمية عدم إخضاعها للرقابة بإستماتة , وأتضح لاحقا أنها أحد أبرز مسببات الأزمة الإقتصادية .
الفقاعة الإقتصادية
عوامل أخرى ساعدت في تضخيم الإزمة هو تسهيل عملية القروض الشخصية وقروض السكن التي أدت إنتعاش كبير في سوق العقار الأمريكي وبالتالي خلق نوع الفقاعة الإقتصادية بأن هذا السوق صالح للإستثمار ما أدى إلى ضخ مليارات من الدولارات فيه من قبل البنوك والأفراد , وهو عامل مرتبط بالعامل الرئيسي وهو تسهيل القوانين الإقتصادية والقروض في الولايات المتحدة , ولكن ما نقل الأزمة من كونها أزمة إقتصادية أمريكية محلية هو الشركات المتعددة الجنسيات التي أدت بدورها لربط الإقتصاد العالمي ببعضه البعض بطريقة متشابكة ومعقدة , وأدخلت فيه الإستثمارات العقارية كمنتج مادي صالح للإستثمار عالميا , فمجموعة من المنازل تشترى من قبل مجموعة من المواطنين الأمريكين قد يكون الممول لقروضها مجموعة إستثمارية في سنغافورة أو لندن أو دبي .
العامل الإنساني
الفيلم يخلص إلى أن العنصر الإنساني كان له دوره الكبير في العملية والمحرك الرئيسي لهذة الأزمة هو الطمع الإنساني والرغبة في الربح السريع بدون التفكير في العواقب طويلة المدى وهذا ما أصاب مدراء المؤسسات الإستثمارية الكبرى الذي كانت قرارتهم هي المتسبب الرئيسي بالأزمة , أضف إلى ذلك إحساسهم بالقوة وبمقدرتهم على القفز فوق القوانين بدون عواقب كون السياسين وكبار موظفي الدولة هم مجرد أدوات في إيديهم يتحركون حسب مشيئتهم , فهم من يموّل لهؤلاء السياسيين حملاتهم الإنتخابية وهم من يكافئونهم بالوظائف والفرص بعد إعتزالهم السياسة , ما خلق لديهم إحساس طاغي بالقوة , وإجتماع هذة القوة مع الطمع وضعف الوازع الإخلاقي كان السبب الحقيقي وراء المعضلة التي طال أثرها الفقراء أكثر مما طال الأغنياء , فالنتيجة المحزنة لهذة القضية هو أن الفارق بين الأغنياء والفقراء زاد إتساعا بدرجة كبيرة .
تقييم الفيلم
إن كنت قد شاهدت هذا الفيلم شاركنا في تقييمه 😀 |
فيديو متصل